Thursday, January 8, 2009

Siddig A. Hadi writes on Fighting Poverty

The Founder of Grameen Bank, Mohammed Younis
image source www.gulfnews.com

تجارب متميزة في محاربة الفقر
الحلقة الاولى -اجراس الحرية- 4 يناير 2009م)
صديق عبد الهادي
يمثل الفقر المهدد الاول لحياة الناس علي وجه الارض في يومنا هذا. و مسألة الفقر و تفشيه لا تمثل التحدي الابرز لشعوب العالم و حسب و انما هي وصمة عار في وجه العالم و بكل تقدمه، حيث ظفر الفقر المدقع بان يضم تحت جناحيه ما يقارب المليار نسمة اي حوالي 985 مليوناً من البشر. معلومٌ انه و من صلب الفقر جاءت معظم المعضلات الاخرى التي تواجه فقراء العالم. منها الارتفاع المخيف في وفيات الاطفال و النساء، تفشي الامية ، النزاعات و التوترات التي تقود الي الحروب الداخلية و من ثمّ النزوح و التشرد. فقد وصل عدد المشردين في العالم الي 42 مليوناً من بينهم 26 مليوناً من البشر نازحين داخل بلدانهم نتيجة اعمال العنف و الاضطهاد. هكذا لا يقف الفقر كالمنبت لوحده و انما يجر في اذياله كوارث عديدة. و لهذا السبب بالتحديد جعلت الامم المتحدة محاربة الفقر هدفها الاول بين اهداف الانمائية للالفية الجديدة. و حددت عام 2015م عاماً لوضع حدٍ للفقر و عاماً للانتصار عليه. و ذلك في حد ذاته، بالقطع، هدفٌ نبيلٌ، تُوظِفُ منظمة اللامم المتحدة الكثير من الموارد البشرية و المادية في سبيل تحقيقه.
هناك تجارب انسانية متعددة في صدد محاربة الفقر، وذلك خارج النطاق الرسمي إن كان علي مستوى البلدان او مستوى العالم متمثلاً في منظماته العالمية التابعة للامم المتحدة. و تلك التجارب التي نُعنى بعرض اميزها الآن ذات صبغة شعبية خارج المؤسسات السياسية للدول، بعيدة من ابتزازها، و فسادها و أذاها، و إن لم تكن، في حقيقة الامر، بمنأى آمن كليةً عن احتمالات التهديد الكامن اصلاً في طبيعة الدولة القهرية خاصة في بلدان العالم الثالث. إن التجربة التي سنعرض لها في هذه السلسلة من المقالات تمثل تجربة وضيئة و نقطة فارقة في الطريق الشائك لمحاربة الفقر. و هي تجربة لم تنتزع رضا الناس محلياً و حسب و انما نالت إعجاب العالم و إعترافه بها، و هو إعترافٌ أهّل رائدها للفوز بجائزة "نوبل للاقتصاد لعام 2006م". إن التجربة المعنية هي تجربة "بنك قرامين" لتمويل المشروعات الصغيرة لمؤسسه الاقتصادي المعروف دكتور "محمد يونس" من دولة بنغلاديش.
وُلِد دكتور "محمد يونس" في عام 1940م في قرية "باثوا" في بنقلاديش و في اسرة متوسطة الحال و لكنها كبيرة العدد و هي في ذلك لم تخرج عن مألوف الاسر في البلدان المتخلفة. كان هو واحداً من بين اربع عشرة طفلاً، توفى خمسة منهم في مرحلة الطفولة. كانت الاسرة تعمل في صنعة الصياغة و تدير متجرها في مدينة "شيتاقونق" و هو ميناء رئيس في دولة بنقلاديش. درس دكتور "محمد يونس" الاقتصاد و تخرج في كلية نفس المدينة، ثم انه توجه في عام 1965م الي الولايات المتحدة الامريكية لينال درجتي الماجستير و الدكتوراه في الاقتصاد و ليعمل و لفترة قصيرة استاذاً للاقتصاد في جامعة "ميدل تنسي" في "ميرفريزبورو" بولاية "تنسي" في الولايات المتحدة الامريكية.عندما غادر دكتور "محمد يونس" بلاده في 1965م كانت بنقلاديش جزءاً من دولة باكستان، و حين عاد اليها في اوائل عام 1972م كان ان اخذت استقلالها كدولة وطنية في يوم 16 سبتمبر 1971م، مسقلة من دولة باكستان.و بذلك تكون دولة بنقلاديش قد مرت بمرحلتين فبل ان تصبح دولة ذات سيادة، حيث انها كانت جزءاً من دولة الهند حتي عام 1947م وقت ان انفصلت مع دولة باكستان و كجزء منها من دولة الهند، و من ثمّ لتصبح دولة قائمة لذاتها منفصلة من باكستان في عام 1971م.يزيد عدد السكان في بنقلاديش عن 150 مليون نسمة، و هي تعتبر من الدول الفقيرة التي تعكس كل السمات المميزة للبلدان المتخلفة. عاصمتها "داكا"، و هي واحدة من مدن العالم الضخمة حيث يصل عدد سكانها الي ثلاث عشرة مليوناً حسب احصائيات عام 2003م. هذه المقدمة ضرورية. و نعود اليها لاحقاً قبل ختام المقالات.
تجلت قدرات الدكتور محمد يونس كإقتصادي متميز في فكرتين مهمتين من نتاج رؤاه هو، و هما في نفس الوقت يمثلان العمادين الاساسين الذين قامت عليهما تجربته في محاربة الفقر في وطنه بنقلاديش.و هاتان الفكرتان هما أولاً/ فكرة إنشاء بنك قرامين، و قرامين في اللغة المحلية تعني القروي. و ثانياً/ فكرة ان يتبنى البنك نهج تمويل المشروعات الاصغر لوحده و ليس غيره كوسيلة فاعلة في توظيف الامكانية المتاحة عبرها لشمول اكبر عدد من المواطنين لاجل الانخراط في محاربة الفقر، اي فقرهم انفسهم، و ذلك انخراط كما ابانت التجربة انه ذو عائد و فائدة ليست وقفاً علي الفرد و حسب و انما للمجتمع ككل.حين عاد دكتور محمد يونس من الولايات المتحدة الامريكية لم يكن في خلده غير فكرة عامة غير محددة الملامح و هي قد تكون قناعته بضرورة الاشتراك في بناء امة البنغال الوليدة ، و تلك الخارجة لتوها من تحت عباءة دولة الباكستان. رجع للتدريس في كلية مدينة "شيتاقونق"، و لكنه في هذا الاثناء بدأ يفكر في مساعدة الفقراء في بلاده و خاصة النساء. اصبحت قناعته تترسخ كل يوم بانه لابد من عمل شيئ في مواجهة العوز و المسغبة المطبقان علي السواد الاعم من الناس في بنغلاديش.إن الفكرة التجربة التي اصبحت الآن ملء سمع العالم و بصره قامت، و ما زالت تقوم علي حقيقة بسيطة وهي ان دكتور محمد يونس لاحظ ان الغالبية من السكان في بلاده يمتلكون مهارات متعددة و في ضروب مختلفة من المهن و الحرف المحلية، كان ان اكتسبوها و توارثوها عبر تاريخ مديد، و هي المهارات نفسها التي تقف وراء وجود الكثير من المنتجات المحلية المفيدة المرتبطة بحياة الناس اليومية، و في نفس الوقت مرتبطة بعملية الحفاظ علي استمراريتها، و إلا كان ان اصاب تلك المنتجات العدم و الزوال.و بحاسة الاقتصادي المهموم المتخطي لذاته و للمصالح الشخصية التي يرسف في اغلالها معظمي متعلمي البلدان المتخلفة، إهتدى لفكرة السعي إلي توظيف نهج التمويل الاصغر لتمكين اولئك الناس المهرة من شراء المواد اللازمة التي يحتاجونها لاجل انتاج تلك المنتجات المحلية التي يجيدونها، و التي ستصبح بما لا يدع مجالاً للريبة مصدراً للرزق و سبيلاً لكسب العيش. من هنا جاءت فكرة بنك قرامين فاصبحت الفكرتان متلازمتان في تحقيق الهدف. كانت كل الفكرة اشبه باليوتوبيا او الخيال للكثير من الاقتصاديين خاصة اولئك الذين يداومون علي معاقرة النصوص اكثر من مقارعة الحياة، و لكن كما هو معلوم ان الخط الفاصل بين الحلم اليوتوبي و نقيضه هو ما يتحقق بالفعل في حياة الناس. ففي مايو 2006م وصل عدد المستفيدين من قروض التمويل الاصغر التي وفرها بنك قرامين الي 6,6 مليون زبون، و لكن ما هو مدهش حقاً هو ان 97% من اولئك المستفيدين هم من النساء!!!. هكذا ، و علي اعتاب ما يتحقق واقعاً حياً و ملموساً تتضاءل اسطورة اليويوبيا، و تنفلق ثمرة الاحلام الجسورة.......
نواصل.....في الحلقة القادمة ، كيف كانت البدايات المتواضعة للتمويل الذي يقدمه بنك قرامين؟

No comments: